الباكستانيات في جامو وكشمير.. نساء بلا وطن
محرومات من أبسط الحقوق المدنية، تقضي 350 سيدة باكستانية حياتهن كـ “مواطنات بلا جنسية” في جامو وكشمير ، الجزء الخاضع لسيطرة الهند من إقليم كشمير المتنازع عليه.
تقطعت بهن السبل وتفرقن عن ذويهن منذ وطأت أقدامهن هذه المنطقة المحاصرة حاليا، فلم تتمكن أي منهن من العودة إلى وطنها لتشارك أقاربها أفراحهم و أتراحهم.
ومنذ استقلال باكستان و الهند عن بريطانيا عام 1947، اقتسم البلدان إقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة، وأطلقت إسلام آباد على الجزء الخاضع لسيطرتها من الإقليم “آزاد كشمير”، فيما سمّت نيودلهي الشطر الذي تسيطر عليه “جامو وكشمير”.
المواطنة الباكستانية ناجينا كوسار تروي ظروف تلك الحياة التي عاشتها لفترة تقارب على العقد، إذ ولدت في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، و عاشت حياة طبيعية محاطة بالأهل و الأصدقاء.
إلا أنها تزوجت من رجل كشميري يدعى محمد أشرف ملك عام 1995، وكان مسلحا في ذلك الوقت بعد أن عبر الحدود التي تفصل بين باكستان والهند.
ثم قرر الزوجان، بحسب روايتها، الانتقال إلى إقليم جامو وكشمير عام 2011 بعد أن أعلنت الحكومة الهندية عام 2010 عن نيتها إعادة تأهيل المسلحين السابقين، إلا أن الواقع كان مختلفا كليا عما تخيلته كوسار و كثيرات غيرها.
وتقول كوسار، الابنة الوحيدة لأبوين مسنين مريضين إنه “لسبب لا نعلمه، نحن حبيسو هذا المكان، لم أتمكن من رؤية أبوي لمدة عشر سنوات، لا أعرف ما هو الذنب الذي اقترفته سواء أنا او والداي؟”.
** عقاب أبدي
طيبة إعجاز – وهي سيدة باكستانية أخرى- تروي قصتها بمرارة بالغة، نادمة على اليوم الذي وطأت قدماها فيه أرض هذا الإقليم، بعد أن أعلنت الهند عن سياستها لإعادة تأهيل المسلحين السابقين.
ولدت آجاز وترعرت في بلدة أبوت آباد بباكستان، كما حازت على شهادة جامعية في الإدارة مكنتها من الحصول على وظيفة مستقرة بين أسرتها وأخوتها، بيد أن هذا الوضع تغير بعد زواجها من الكشميري إعجاز محمد ملك في 2002، وانتقالها إلى جامو وكشمير عام 2013.
تقول إعجاز “أنا نادمة على مجيئي إلى هنا، لم نحظ بحياة جيدة منذ انتقلنا إلى هنا، كل شيء بالغ الصعوبة، ليس لدينا بطاقات هوية وهو ما يجعل الحصول على أبسط الأشياء مثل بطاقة خلوية لهاتف محمول، تحديا بالنسبة لنا”.
وتضيف “الحياة هنا عبارة عن عقاب لا متناه، ولا شيئا غير ذلك”.
و عن الحياة تحت السيطرة الهندية، تتفق نبيلة جاويد، التي انتقلت مع زوجها جاويد احمد إلى جامو وكشمير عام 2012، مع طيبة إعجاز في مرارة مشاعرها.
تقول هي الأخرى “لقد مات العديد من أقاربي ولم أتمكن حتى من وداعهم إلى مثواهم الأخير، فالحكومة الهندية لا تسمح لنا حتى برثاء أحبتنا”.
وتضيف متسائلة ومستنكرة “هل هذه هي سياسة إعادة التأهيل، أن يعاقبونا بشكل جماعي؟ إذا كنا غير مرغوب فينا بهذا الشكل، فليقوموا بترحيلنا، فأي شيء سيكون أفضل مما نحن فيه، على الأقل لن نكون بعيدين عن ذوينا”.
** من سي لأسوأ
هؤلاء النسوة عديمات الجنسية قمن بالعديد من التظاهرات للفت الانتباه لمأساتهن، وقدمن العديد من الالتماسات لكل من الهند وباكستان مطالبات بالبت في شؤونهن، إلا أن مطالباتهن لم تلق آذانا لدى أي من المسؤولين، وليس ثمة حل يلوح في الأفق.
ذلك الإهمال لمصائر هؤلاء النسوة بدا جليا في تصريحات مستشار الحكومة الهندية فاروق خان الذي يقول “إنه ليس هناك أي منصب يمكنه من التعليق على الأمر”.
و ازداد أمر هؤلاء النسوة سوءا بعد أن قامت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي بتجريد الإقليم من الحكم الذاتي المحدد الذي كانوا يتمتعون به وفرضت عليهم حظر التجول.
و زادت مخاوفهن بعد تمرير الحزب الهندوسي الحاكم “بهاراتيا جاناتا” قانونا جديدا مثيرا للجدل يمنح الجنسية الهندية لأقيات دينية باستثناء المسلمين.
وقد لاقى القانون انتقادات واسعة لطبيعته العنصرية وأدى إلى موجات من التظاهرات في نيو دلهي منذ ديسمبر الماضي.
وتخشى النسوة أن تلقي الحكومة الهندية القبض عليهن في أي وقت نظرا لعدم امتلاكهن الجنسية الهندية وعدم امتلاكهن لأوراق تثبت وضعهن القانوني.
وبالرغم من تحركاتهن القانونية ورفعهن دعاوى لدى المحاكم إلا أن تلك التحركات لم تسفر عن أي أمل، إذ لم تبت المحكمة في مسألتهن بعد.
بدوره، يقول المحامي برويز امروز إن إلغاء الحكومة الهندية بنود المادة 370 من الدستور غيّر تماما أبعاد القضية.
وتمنح المادة 370 الحكم الذاتي لولاية “جامو وكشمير”، وتعطي للكشميريين وحدهم في الولاية حق الإقامة الدائمة، فضلا عن حق التوظيف في الدوائر الحكومية، والتملك، والحصول على منح تعليمية.
ويضيف “بعد أن فقدت كشمير وضعها الخاص، فإنه لن يعود بإمكان هؤلاء السيدات أن يصبحن كشميريات”.
وتابع “إنهن عالقات في مكان بلا هوية على الإطلاق، وعلى الحكومة النظر إلى وضعهن بعين الإنسانية، لا بعين الخلافات السياسية، على أقل تقدير، أن يسمح لهن بالاجتماع مع عوائلهن”.
** طريق محفوف بالمخاطر
المصير المجهول والواقع العالق لهؤلاء النساء ليس أقسى ما يمكن أن تسمع عنه في إقليم كشمير، إذ تمثل قصة سايرا بيجم نموذجا صارخا على ذلك، فبعد أن كابدت بيجم الفقر مع زوجها في الإقليم المقطوع وتعرضت أيضا لمضايقات مستمرة من قبل السلطات الهندية، لم تطق الأمر أكثر، مما دفعها للانتحار عام 2014.
وليست النساء وحدهن من تواجهن هذه الأوضاع؛ ففي العام نفسه قام المسلح السابق سيد بشير بخاري بحرق نفسه في ميدان عام، بعد أن فشلت مساعيه في الحصول على جنسية هندية لزوجته الباكستانية، ورفضت كل المدارس أن تلحق ابنه بأي منها.
في ضوء هذه المعاناة، تبدي نبيلة شاهزاد، السيدة الكشميرية التي ولدت في الجانب الباكستاني من كشمير، مخاوفها بشأن إمكانية أن يسلك آخرون ذات الطريق الذي سلكاه بيجم و بخاري.
وتقول شاهزاد التي انتقلت إلى جامو وكشمير مع زوجها عمر شاهزاد في 2013 “أحيانا نصل لمرحلة نفقد فيها الأمل حقا بسبب وضعنا. منذ مجيئنا إلى هنا، حياتنا لم يعد لها معنى، عشنا لسنوات تحت الضغط وعانينا في صمت”.
وتضيف: “أخواتنا هنا يفقدن رجالهن سواء عبر الموت أو الطلاق، إلى أين يذهبن، وكيف يتصرفن؟”
نقلاً عن الأناضول… مع الشكر