الشاحنات المزخرفة… تقليد باكستاني متفرد
شاحنات النقل الباكستانية المزخرفة هي حالة نادرة الوجود في العالم، فهي أشبه بلوحات فنية تراثية تمشي على الأرض، حيث تبلغ المنافسة بين أصحابها في زخرفتها إلى درجة تلوين جميع أجزاء الشاحنة من جهاتها الأربع دون ترك سنتيمتر واحد لتخرج كلوحة فنية تسر الناظرين وتحوز على إعجابهم.
وليس عجبا أن تتسبب هذه الشاحنات في المئات من حوادث المرور بسب انشغال كثير من السائقين بالنظر إليها في الطرق العامة، كيف لا وأصحابها ينفقون على تلويها قرابة 6000 دولار أميركي وهو مبلغ ليس باليسير في باكستان، فيما تبقى هذه الشاحنات في ورشات بمدن مثل “تشنيوت” و”راولبندي” و”كراتشي” المشهورة بهذا العمل لأكثر من ثلاثة أشهر تحت أيدي فناني تلوين عربات النقل.و يتخذ رساموا الشاحنات مصدر رسوماتهم من المناظر الطبيعية الخلابة في واد سوات الباكستانية والمناطق الشمالية وكذا الطرق الجبلية الوعرة وما يتخللها من وديان وغابات وقرى مترامية على طول الطريق حتى أفغانستان. وكذا النساء المتحجبات والأبطال السياسيين ونجوم السينما.
كما تحتل رسوم الطيور الجارحة مثل النسر والصقر والحيوانات المفترسة كالأسد والنمر مكانة خاصة في هذا الفن كإشارة إلى القوة والسرعة والمنافسة على الطرقات، فيما يحرص البعض الآخر على رسم الكعبة المشرفة والمسجد النبوي طلبا للبركة.
والباكستانيون يعرفون صاحب الشاحنة قبل الاطلاع على لوحة أرقامها، وذلك من خلال الرسومات والنقوش التي تغطيها، فشاحنات اقليم خيبربختونخوا مثلا (شمال غرب) باكستان عليها صورة امرأة مجنحة بجسد حصان، و شاحنات اقليم البنجاب تتميز بوضع رسومات لفنانات هذا الاقليم، بينما إقليم بلوشستان تتميز شاحناته بطغيان صور الزي التقليدي الخاص بهذا الاقليم ومواقعه الاثرية، أما اقليم السند فتغطي شاحناته رسومات لنساء سنديات بلباسهن التقليدي متزينات بحليهن المحلية.
ويبلغ عدد الشاحنات المزخرفة في باكستان أكثر من مليون شاحنة، جميعها مزينة حسب مدرسة الزخرفة التي تم العمل فيها، فيما تلحم سلاسل حديدية مختلفة الأشكال بأجزاء الشاحنة السفلية بحيث تكون عرضة لضربات الهواء، وهو ما يحدث أصواتا عالية جدا عند تحركها وكأن طائرة تحلق قرب المكان.
كما يحتل الشعر أولوية كبيرة عند معظم أصحاب الشاحنات الذين يتسابقون في التدافع نحو الخطاطين المهرة بعد انتهاء مرحلة الزخرفة ليخطوا لهم أبياتا وحكما مشهورة، ما يجعل من الشاحنة مرآة تعكس ثقافة المجتمع الباكستاني أينما تنقلت.
واللافت ما يقرأ على هذه الشاحنات من أقوال غريبة غير معروفة المصدر تتحدث عن علاقة هذه الشاحنات وسائقها بالموت على الطرقات، ومن هذه الأقوال “لا تقع في حبنا نحن السائقين، فنحن غالبا ما نرحل بسرعة”، و “الموت أفضل من حياة تعيسة، على الأقل بإمكانك الحصول على نوم عميق”، وغيرها كثير.
الشاحنات الطائرة كما يسميها الباكستانيون تحمل في العادة ثلاثة أضعاف حمولتها الرسمية، ويساعد تصميم جسمها الفريد على ذلك حيث يستغل الحيز الموجود فوق مقصورة السائق كمساحة إضافية، وتعمل هذه الشاحنات المزودة بقوة دفع أمامية وخلفية في كل مكان حتى فوق جبال غلغت شمال البلاد القريبة من جبال الهملايا.
وبسبب قدرة هذا النوع من الشاحنات على تخطي المناطق الجبلية وهي سمة جغرافية عامة في باكستان فإنها تلعب دورا حيويا في خدمة الاقتصاد الباكستاني عبر نقل البضائع على المستوى المحلي من جهة والخارجي مع أفغانستان والصين من جهة أخرى، إلا أن أحمالها الزائدة غالبا ما تدمر البنية التحتية للطرقات، إضافة لما تسببه من تلوث بيئي جراء استخدام الديزل كوقود.
الولع الظاهر في زخرفة الشاحنات في باكستان لم يجعلها من أهم عناصر الغرابة في البلاد وحسب، بل وفر أيضا فرص عمل لآلاف الباكستانيين وجعل من محلات زينة المركبات تجارة رابحة في طول البلاد وعرضها.