الأسوأ قادم في الهند !

0 831

لقد فات الأوان! انتشر فيروس كورونا انتشار النار في الهشيم وخرج عن السيطرة.

فعلى الرغم من الإغلاق التام الذي فرضه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ارتفع عدد المصابين بالفيروس ارتفاعا هائلا خلال الأيام الأولى من 200 شخص كل ثلاثة أيام إلى أكثر من 400 شخص في يوم واحد.

عندما أعلن مودي حالة الإغلاق العام في 24 مارس كان إجمالي عدد المصابين 476 شخصا وكانت هناك تسع وفيات. وبعد تسعة أيام، وعلى الرغم من الإغلاق، فقد تجاوزعدد الإصابات 2500 والوفيات 70.

في الأيام الأولى، بعد أن أعلن مودي الحجر أو ما هو معروف بالإغلاق، تنفست الهند بأكملها الصعداء.

وكان رئيس الوزراء قد تصرف بحزم؛ فقد اتخذت الهند الإجراء الحازم نفسه، الذي مكّن الصين من وقف انتشار الفيروس في مرحلة مبكرة سبقت بها الدول الأوروبية التي تأخرت في فرض الإغلاق بمدنها.

ولكن في الأيام التسعة التي تلت إعلان إغلاق الهند، بدا أنه لم يكن له أي تأثير ملموس على معدل انتشار الوباء. فقد كان المنحنى التصاعدي لحالات الإصابة بكورونا حادا، تماما كما هو الحال في أوروبا وكوريا الجنوبية.

هل هذا يعني أن الإغلاق لم ينجح؟ ليس بالضرورة. ولا شك في أن جزءا من الزيادة في عدد الحالات جاء بسبب زيادة عدد الاختبارات.

تزامن ذلك مع اكتشاف بؤرة كورونا ساخنة وعملاقة في قلب دلهي، في المقر الرئيسي لجماعة التبليغ (دعوية إسلامية) في ضاحية نظام الدين، حيث دفن الإمام الصوفي نظام الدين أوليا في القرن الرابع عشر والشاعر الشهير ميرزا غالب في القرن التاسع عشر.

و في ظل الأجواء المشحونة التي أوجدتها حكومة مودي خلال السنوات الست الماضية، ليس من المستغرب إلقاء اللوم على تقصير جماعة التبليغ وتوجيه أصابع الاتهام نحوها.

شرطة العاصمة استغلت الفرصة لتلفيق عدد كبير من القضايا ضد رئيس الجماعة مولانا سعد و بعض الشخصيات الأخرى، بموجب قانون العقوبات الهندي.

** التقصير مرتبط بالعداء الطائفي

بإلقاء نظرة فاحصة على كيفية حدوث التقصير، تبين أنه أيضًا يمكن إرجاعه مباشرة إلى العداء الطائفي الذي عززه مودي بشكل شديد منذ أن أصبح رئيسا لوزراء الهند.

وتكمن أصول المأساة في مناسبة دينية كبرى عقدتها الجماعة في منطقة نظام الدين في دلهي. وحضرها ما يقدر بـ 4000 شخص، بما في ذلك نحو 240 شخصا من بلدان أخرى.

وجرت هذه التجمعات في الفترة من 10 إلى 11 مارس عندما لم تكن الهند أعلنت بعد فرض قيود على السفر، ناهيك عن إلغاء التأشيرات التي منحتها للأجانب لزيارة الهند.

وقد أعلن عن أول هذه الإجراءات في 13 مارس، وبحلول 18 مارس ألغت أغلب شركات الطيران رحلاتها من وإلى الهند، مما ترك العديد من الزوار الأجانب عالقين، والذين كانوا من شبه المؤكد مصدر العدوى.

بعدها بيومين دخلت دلهي في الحجر الصحي. وبعد أربعة أيام، قامت الحكومة بأول إغلاق تجريبي لمدة 24 ساعة، وبعد 24 ساعة أخرى كانت البلاد تحت الإغلاق التام.

وكانت تلك الاجراءات السبب الرئيسي للازدحام الذي جعل انتشار كورونا، كالنار في الهشيم بين الزوار الذين تقطعت بهم السبل في مقر الجماعة.

في الواقع كان معظم المشاركين البالغ عددهم 4000 قد غادروا بالفعل إلى ديارهم في الهند، لكن علق نحو 240 شخصا جاؤوا من خارج البلاد.

وحتى لو لم يستطع أولئك العالقون العودة لمنازلهم.. أما كان من الممكن تجنب ذلك الازدحام؟ لماذا لم يفرق مسؤولو جماعة التبليغ على الأقل المشاركين المتبقين الذين تقطعت بهم السبل في أنحاء دلهي؟ لفهم السؤال، يحتاج أن يكون المرء مسلما في الهند في هذه الأيام المظلمة.

حتى لو كانت الفنادق ودور الضيافة مستعدة لقبول الضيوف المسلمين، وهذا أمر غير وارد في العاصمة، فإن خطر الاحتكاك مع كورونا يبقى أفضل من التشتت والعزلة في بلد يتأجج فيه العداء الطائفي.

قبل أسابيع فقط، بالكاد انتهت أعمال الشغب الطائفية التي مزقت شمال شرق دلهي، وأسفرت عن مقتل 53 شخصا (44 منهم من المسلمين) وتدمير ممتلكات قيمتها نحو 3.5 مليار دولار.

أعمال الشغب بدأت في 22 فبراير الماضي، وافتعلتها عصابات هندوسية ضد المسلمين المشاركين في احتجاجات واسعة مستمرة منذ أواخر العام الماضي ضد قانون المواطنة الجديد الذي وضعه الحزب الحكم ( بهاراتيا جاناتا) القومي المتطرف، والذي يراه كثيرون بأنه يستهدف المسلمين.

في أعمال الشغب تلك قد وقفت الشرطة علنا إلى جانب القتلة، ولم يقدم للضحايا المسلمين سوى تعاطف شفهي من البعض.

بالنظر إلى هذه الخلفية، هل يمكن لأحد أن يلوم أولئك العالقين على اتخاذ القرار بالبقاء مع بعضهم بدلا من المخاطرة بأنفسهم في بيئة معادية حيث يمكن أن تكون حياتهم في أي لحظة في خطر؟

** جرس تنبيه

ما حدث في نظام الدين ينبغي أن يكون جرس تنبيه لجميع الهنود للنظر عن كثب في أنفسهم قبل أن يبدؤوا بتوجيه أصابع الاتهام إلى الآخرين. إنها فقط البداية للكابوس الحقيقي.

وقد أدى الإخفاق في الرؤية والتخطيط لعملية الإغلاق إلى عودة عشرات الآلاف من العمال المهاجرين إلى قراهم الأصلية.

هذا لفشل كل من الحكومة المركزية وحكومات الولايات في فهم أنه للحفاظ على العمال في المدن كان لا بد من تعويض أرباب العمل عن الخسارة شبه الكاملة للأعمال التجارية التي سيواجهونها.

وقتها فقط تكون الحكومة قد حصلت على الحق المعنوي في مقاضاة أصحاب وأرباب العمل الذين يتخلون عن عمالهم خلال هذه المحنة.

واليوم يتدفق العمال المهاجرون الذين تقطعت بهم السبل في المدن إلى قراهم الأصلية ورجوعهم بعشرات الآلاف كل يوم.

وتتدافع حكومات الولايات لتنظيم عودتهم واختبارهم ثم تركهم أو عزلهم. ولكن اختبارات درجة الحرارة التي يستخدمونها، لا يمكن لها إلا اكتشاف أولئك الذين لديهم بالفعل أعراض الإصابة بفيروس كورونا.

بينما هناك العديد غيرهم ممن لم تظهر عليه بعد أعراض الإصابة؛ و بما أن التباعد الاجتماعي يكاد يكون مستحيلا داخل الأسرة، فإن جميعهم سيواصلون، دون علم، نقل العدوى للآخرين.

بالتالي، فإن الأسوأ لم يأت بعد.

الكاتب، بريم شانكار جها، خبير اقتصادي وصحفي مخضرم، عمل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي ومستشارا إعلاميا لرئيس وزراء الهند. 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.