هكذا ينظر الباكستانيون لما يجري في بلادهم
لم يكن إنتخاب زعيم المعارضة السيد شهباز شريف رئيساً للوزراء خلفاً لعمران خان أمراً مُستغرباً أو مُستبعداً، بل إن كل المُعطيات و المعلومات كانت تؤكد على أن المعارضة نجحت في التفاهم مع المؤسسة العسكرية الباكستانية على أساس حفظ الدستور و عدم السماح بإنسداد سياسي من شأنه عرقلة تقدم البلاد على مستوى تعزيز مكانته الجيو إقتصادية في مرحلة تسعى فيها إسلام آباد إلى إستعادة مكانتها الجيوسياسية من خلال تعزيز إقتصاد البلاد وعلاقاته التجارية مع دول الجوار .
نجاح المعارضة بعزل رئيس الوزراء السابق عمران خان في اقتراع حجب الثقة أمام الجمعية الوطنية بـ174 صوتاً، و إنتخاب شهباز شريف رئيساً جديداً لحكومة دولة باكستان، لا شك في أنه منجزٌ كبير ” للديمقراطية الباكستانية ” ، التي لطالما عانت من تدخلات المؤسسة العسكرية بشكلٍ فج و واضح تحت حجة ” نظرية الضرورة ” .
لكن هذه المرة كانت الأمور مختلفة، وأولويات الجيش الباكستاني و الخطوط الحمراء التي رسمها لنفسه كانت أكثر صرامة ، فكل محاولات عمران خان للزج بالمؤسسة العسكرية ودفعها للتدخل لصالحه لم تنجح، فبحسب المعلومات أن عمران خان كان للحظة الأخيرة يحاول حث القيادة العسكرية للتدخل بشكل مباشر مستعملاً ما أعلن عنه من تدخل سافر للولايات المتحدة الأمريكية في شؤون باكستان الداخلية .
ما دعا مراقبين في إسلام آباد لإثارة إشارات إستفهام كبيرة حول مدى نضوج عمران خان السياسي و مستقبل حركة الإنصاف بقيادته ؟ سيما أن خطابه الذي فجر قنبلة إعلامية لم يكن مُقنعاً للمُهتمين بالشأن العام في باكستان ، فهنا في باكستان لا ينظرون إلى الأمر على أن هذا الفريق أمريكي و ذاك غير أمريكي .
لا مُطلقاً، فكلا الفريقين تربطهما بالولايات المتحدة الأمريكية و سفيرها في إسلام آباد علاقات شخصية وتنسيق بمستويات متفاوتة .
وفي المعلومات أن هناك مستشارين كانوا يهمسون في أذن عمران خان لتغيير النظام السياسي في باكستان من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، أسوة بالرئيس أردوغان، ولعل هذا ما يُفسر خطوات خان التي أغرقت باكستان في معضلة دستورية كبيرة، بدءاً من حل البرلمان بكلمتين، مروراً بسحب نواب حزبه(156 نائب) من عضوية الجمعية الوطنية ، التي وصفت بعملية إستقالة جماعية مست بــ ” الأمن الدستوري” للبلاد، هذا فضلاً عن دعوة خان لإنتخابات مُبكرة، من غير اساس دستوري .
آخيراً، يرى مراقبون في مجمل الأحداث الأخيرة تماسك المؤسسات الدستورية في باكستان و حكمة المؤسسة العسكرية التي نجحت للإن في إدارة الفوضى القائمة، و عدم السماح بأي إنسداد سياسي و تعطيل دستوري من شأنهما تعريض أمن باكستان القومي للخطر في ظل وجود عدو تقليدي مُتربص بالبلاد يتمثل بالهند ، التي تتابع بدقة كبيرة ما يجري في باكستان، ولعلها المُستفيد الأكبر من هذه الفوضى التي ما تزال تحت السيطرة، ولا يستبعد بعض الخبراء ايادي هندية وراء ما يجري، والله العالم .
الكاتب : سليمان علي