المرجع اليعقوبي مسيرة جهاد واجتهاد

السيرة الذاتية
ولد سماحة آية الله العظمى الشيخ الحاج محمد اليعقوبي (دام ظله) فجر المولد النبوي الشريف عام 1380 هجرية الموافق أيلول/1960 في مدينة النجف الأشرف، ونشأ في كنف أسرة علمية دينية، أصيلة في النسب، اشتهرت بالخطابة والأدب، لذا سجلت جملة منهم معاجم الأدب والفكر والخطابة، كأبيه الشيخ موسى (توفي عام 1402هـ/ 1982م) صاحب مجلة الأيمان الشهيرة – وجده الشيخ محمد علي (توفي عام 1385هـ/ 1965م) المُلقب بـ (شيخ الخطباء) .
ترعرع سماحته(حفظه الله) في أجواء مفعمة بعبير الورع والتقوى، وشذى المباحثة والمدارسة، ونهل المعارف الدينية منذ نعومة أظفاره، وألّف بحثاً موسعاً بعنوان (الخمر أم الخبائث) رجع فيه الى كتب اللغة والتفسير والحديث والادب والنشرات الطبية والفكرية، وهو طالب في الثاني المتوسط ولم يبلغ الحلم .

 

دراسته الأكاديمية
أكمل دراسته الأكاديمية في بغداد في متوسطة الامام الجواد (عليه السلام) الاهلية، ثم الإعدادية الشرقية في الكرادة وتخرج منها بتفوق، حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من كلية الهندسة / جامعة بغداد عام 1982 وكان عليه الالتحاق بالخدمة العسكرية بموجب التجنيد الإلزامي، وكانت يومئذ الحرب العراقية الإيرانية مشتعلة إلا إن تربيته الإسلامية والقرآنية جعلتـه يرفـض أن يرتدي ملابـس الظَـلَمـة ويكـون جـزءاً مـن منظومتهم ولو للحظة واحدة، فأنزوى في الدار رغم ان هذا القرار يكلفه حياته حيث كان جلاوزة النظام ينتشرون في كل مكانُ خصوصاً في بغداد، ويُعدم المتخلف عن الخدمة العسكرية رمياً بالرصاص .
بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 رجع إلى النجف الأشرف وتزوج كريمة المرحوم شهيد الانتفاضة الشعبانية العلامة السيد محسن الموسوي الغريفي وبين الاسرتين مصاهرات عديدة تمتد لأزيد من مئة وخمسين عاماً.
إرتدى الزي الديني مطلع عام 1992 (شعبان /1412هـ) وتوجهُ بالعمامة المرجـع الأعلى المرحوم السيـد الخوئي (قـدس سره) في داره في الكوفة.

 

دراسته الدينية

برغبة من عميد جامعة النجف الدينية المرحوم السيد محمد كلانتر(قدس سره) بدأ سماحة الشيخ اليعقوبي دراسته النظامية في الحوزة العلمية من السطوح المتوسطة (أي شرح اللمعة وأصول الفقه للمظفر)، نظراً لكونه نشأ في بيت من البيوتات النجفية العريقة والمعروفة بالعلم والثقافة، بالإضافة إلى حصيلته العلمية والثقافية الوافرة التي اكتسبها من المطالعة وحضور مجالس العلماء ، وقد لفت بنبوغه وذكائه كل من كان يعرفه، وتمكن بجده وإشتغاله الدائم بالدرس والمُباحثة وتلخيص الكُتب من قطع مراحل الدراسة بنحو إسرع من زملائه واقرانه في الدراسة لما عُرف عنه من الجد والإجتهاد من جهة، و إستفادته القصوى من الوقت من جهة أخرى، حيث كان مُلتزماً ببرنامج تحصيلي حتى في أيام التعطيل في الحوزة .
وتزامناً مع دراسته للسطوح العالية التحق ببحوث الخارج بعد حث وترغيب من السيد الشهيد الصدر (قدس سره) فحضر بحث الأصول اللفظية عنده (قدس سره) من شوال 1414 حتى استشهاده في ذي القعدة /1419هـ، وطبع من تقريراته مبحث المشتق في جزئين وحضر بحوث الأصول العملية عند سماحة آية الله الشيخ محمد إسحاق الفياض في الفترة (1417- 1421) وحضر في الفقه عند آية الله السيد السيستاني في (1415- 1420) وعند المرحوم الشهيد الميرزا علي الغروي (قدس سره) (1416-1418) وقرّر تلك البحوث .

 

تدريسه الحوزوي

درس المقدمـات قبل مرور سنـة على التحاقـه بالحوزة العلمية في جامعة النجف وكان تدريسه للرسالة العملية للسيد الشهيد الصدر (منهج الصالحين) استدلالياً مقارناً يتوصل إليه بتأملات إذ لم تتوفّر المصادر يومئذٍ لتشديد النظام المقبور على الكتاب الديني، وعدّ الشهيد الصدر في احدى لقاءاته المسجلة هذا الدرس أهم الدروس في الحوزة مُثنياً على منهجية سماحة الشيخ اليعقوبي في الدرس.

ثم تدرج في تدريس السطوح المتوسطة (اللمعة وأصول الفقه) والعالية (المكـاسب والكفاية)، وكانت حلقته العلمية من أوسع الحلقات حضوراً وأكثرها عطاءاً، وكان درس الكفاية يحضره حوالي 200 من الفضلاء في مسجد الرأس الشريف المجاور لحرم أمير المؤمنين (عليه السلام).

وبدأ إلقاء محاضراته في البحث الخارج في الفقه في (شعبان 1427 هـ/2006م)، واختار المسائل الخلافية لتكون موضوعاً لبحثه، حيث يختار مسائل ذات عمق علمي ومثار جدل بين الفقهاء ليكون أكثر إنضاجاً للفضيلة العلمية مع كونها ذات آثار عملية، ويحضر بحثه آلان أكثر من (200) من فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية، وقد حّرر إلى الآن أكثر من (ستين) مسألة مهمة علمياً وعملياً، وتُطبع هذه البحوث تباعاً في كتاب عنوانه (فقه الخلاف)، وقد صدر منه اثنا عشر مجلداً (لحد الان) واثنان آخران تحت الطبع ومن مميزات بحثه تعرّضه لآراء أساطين القدماء وأعلام المعاصرين من مدرستي النجف الأشرف وقم المقدسة.

 

جهاده
‏كان سماحة المرجع اليعقوبي منذ نعومة أظفاره محباً للعمل الإسلامي وحركة الوعي فكان يرتاد المساجد ويستمع إلى الخطباء وينقل إلى زملائه ما تعلمه من قضايا دينية وتاريخية.
‏ويطالع الكتب التي تدعم هذا التوجه حيث كانت البدايات مع مجلة الإيمان التي أصدرها المرحوم والده في ستينيات القرن الماضي وهي من مصادر توعية أبناء الحركة الإسلامية، واستفاد من كتابات المفكرين الإسلاميين في الكتب والمجلات وعلى رأسهم السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس الله سره).
‏ثم ‏نال تربية خاصة من خلال مراسلاته مع السيد الشهيد الصدر الثاني منذ عام 1985 لذا بادر إلى الالتحاق به بمجرد عودته إلى مزاولة حياته الطبيعية عام 1988 وعندما ‏ارتدى الزي الديني عام 1992 فتحت له الحوزة الثورية آفاق واسعة للعمل الديني المبارك ضمن حركة السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) الذي أعجب ‏بحكمته وبصيرته واتزانه وأخلاقه والتقدم السريع في مؤهلاته العلمية والعملية لذا لم يتردد في ترشيح سماحة الشيخ لخلافته في قيادة الحركة الإسلامية ‏وإن كان الوقت سابقاً لأوان طرح عنوان المرجعية، لذا أمر (قدس سره) بالرجوع بعده إلى سماحة الشيخ اليعقوبي قيادةً إلى أن يُشهد له بالاجتهاد فيكون الرجوع إليه قيادة وتقليداً وهذا كله موثق بصوت السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره).
شارك في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وخرج مع المجاهدين من أبناء النجف الأشرف للدفاع عن كربلاء المقدسة بعد أن زحفت عليها قوات الحرس الجمهوري، لكنَّ الثوار أرجعوه مع غير المسلحين إلى النجف الأشرف .
فشرع بشحذ الهمم و تحريض المؤمنين على الظالم ونُصرة الإنتفاضة الشعبانية فكتب ونادى وعمل على توعية الشباب ، وكان له بيان وكلمات مهمة في نصرة الانتفاضة ورفع معنويات شبابها، أُذيعَ من مكبرات الصوت للصحن الحيدري الشريف.وبعد مبايعة الثوار للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) قائداً للثورة قبل اعتقاله بيوم واحد شكَّـلَ (قدس سره) خمس لجان لقيادتها، فجعل الشيخ اليعقوبي رئيساً للجنة السياسية والإعلامية.
لكن هذه اللجان لم تستطع مواصلة عملها بسبب هجوم قوات الحرس الجمهوري الصدامي على النجف الأشرف في اليوم التالي لتشكيلها واعتقال السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس الله سره).
كان سماحته (حفظه الله) السنـد الأول للسيـد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) والوحيد الذي آزره في بداية إعلان مرجعيته في تلك السنة، وهذا ما ذكره السيد الشهيد الصدر نفسه في بعض لقاءاته المسجّلة، واقنع وجوده إلى جنبه (قدس سره) الكثيرين من داخل الحوزة العلمية وخارجها بالرجوع إلى السيد الشهيد الصدر (قدس سره) حتى انتشرت مرجعيته (قدس سره) واتسعت، وأصبح الشيخ اليعقوبي الرجل الثاني بعد السيد الصدر (قدس سره) في الخط المرجعي الثوري في النجف الأشرف.

عيّنهُ السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) عميداً لجامعة الصدر الدينية بعد تأسيسها بسنة تقريبا، وهي المؤسسة التي تنهض بالمشروع المتكامل بين الحوزة العلمية والجامعات الأكاديمية، ولم يجد (قدس سره) شخصاً مناسباً يقود هذه المؤسسة ويحقق أهدافها غير سماحة الشيخ، لأنه حاز قصب السبق في المجالين(الحوزوي و الأكاديمي)، – كما عبّر (قدس سره) لسماحة الشيخ عندما كلّفهُ بالأمر في شهر صفر عام 1419 هـ.

وكان (قدس سره) يشيد به ويشير إليه ونشرت بعض هذه الكلمات في مقدمة كتاب (المشتق عند الأصوليين) و (قناديل العارفين)، وقبل استشهاده بخمسة أشهر وبالضبط يوم 5/جمادى الثانية/1419الموافق 27/9/1998م، رشَّح الشيخ اليعقوبي لخلافته بقوله في لقاء مسجل مع طلبة جامعة الصـدر الدينية: (…. والآن أستطيع ان أقـول إن المـرشـح الوحيـد من حوزتنا هو جناب الشيخ محمد اليعقوبي الى وقت امد الله لي في العمر وشهد باجتهاده.. اذن هو الذي ينبغي أن يمسك الحوزة من بعدي وانا لا اعدو عنه).

لازمَ السيد الشهيد الصدر حتى استشهاده في ذي القعدة / 1419هـ الموافـق شبـاط /1999م، وهـو الـذي تولـى الصـلاة على جسـده الطـاهـر وولديه وواراه الثرى مع عدد الأصابع من الموالين في تلك الأجواء المشحونة الرهيبة ووسط جلاوزة النظام المدججين بالسلاح.

 

مقاومة وثبات
عقب استشهاد السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وضع سماحة الشيخ برنامجاً لعمله بصبر وثبات ‏في مواجهة التحديات والعقبات التي أشار إليها في مذكراته )جهاد واجتهاد( واتّبع أساليب جديدة للعمل أثمرت في ‏استعادة بريق الحركة الإسلامية ولم شتاتها بعد الصدمة التي أحدثها استشهاد السيد الصدر الثاني عام 1999.
فبالإضافة إلى وظيفته الرئيسية وهي تدريس الفقه والأصول في مسجد الرأس الشريف، كان يستثمر حضور هذا الحشد الكبير من الفضلاء المريدين له والواثقين بنهجه وهم من مختلف الجهات المرجعية ليلقي في بعض المناسبات محاضرات في الوعي الإسلامي واستلهام الدروس من سيرة أهل البيت (عليهم السلام) في الهداية والإصلاح للارتقاء بالحوزة العلمية لتتحمل مسؤولياتها في قيادة المجتمع وكانت تلك المحاضرات تقض مضاجع النظام البائد فيقف أزلامه في باب المسجد والمنطقة القريبة لإرعاب الحاضرين، وفي إحدى المحاضرات دخل مدير أمن النجف إلى المسجد وطلب من الحاضرين الاستماع اليه ليوجًّه لهم النصح بترك النشاط الديني وتوعية الأمة والاكتفاء بتحصيل الدروس المتعارفة، وكانت هذه المحاضرات تسجّل صوتيا وتنتشر بآلاف الكاسيتات في مدن وسط وجنوب العراق وخارجه مما عرف بـ(ثورة الكاسيت) وكان لطلبة جامعة الصدر الدينية الدور الشجاع في هذا النشر بحماس وتضحية.
وأحدثت محاضرات (شكوى القران) هزة كبيرة في وعي الأمة وكذا خطاباً (كيف خطط رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) للخلافه من بعده) و (ماذا خسرت الأمة حينما ولّت أمرها من لا يستحق؟) وكان النظام الصدّامي يعتقد انه مستهدف بهذه الخطابات.
كما كان سماحة المرجع يتصدى لبيان الموقف الديني من القضايا المهمة كموقفه الحازم ضد قرار الحكومة بمنع التقاط الطالبات صوراً بالحجاب الشرعي في الهويات التعريفية ونال صدى واسعاً فاضطر النظام لإلغائه، وكذا منعه من تداول السجائر الأجنبية التي كان يتاجر بها أولاد الطاغية صدام، وكذا موقفه الحكيم من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والذي أصبح موقفاً عاما للشعب العراقي وكانت هذه المواقف تلقى استجابة واسعة من المؤمنين الذين يرجعون في تقليدهم إلى عدة أعلام.
واهتم سماحته بالشباب والفتيات فكتب (فقه طلبة الجامعات) الذي انتشر بقوة لدى طلبة الجامعات وطبعت منه آلاف النسخ سراً وكتاب (الحوزة وقضايا الشباب) وصدر بإشرافه (دروس للصبي المسلم) و(دروس للفتى المسلم) وقصص وروايات منوعة.
كما اهتم بتثقيف المرأة وتوعيتها، ومن إصداراته في هذا المجال (فقه المرأة المسلمة) و(دور المرأة في بناء العراق الجديد) و(الخطابة النسائية بين الواقع والطموح) و(الأربعون حديثا في قضايا المرأة) وصدر بإشرافه (رفقاً بالرجال يا قوارير) و(فلسفة تشريعات المرأة).
ومن نشاطاته التي كرس لها كثيراً من اصداراته، تشخيص الظواهر المنحرفة والمشاكل الاجتماعية ومعالجتها على شكل بيانات وفتاوى تفصيلية تتضمن النصيحة والموعظة والفات النظر الى الآثار السلبية اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً وفكرياً ونحوها، وكانت منشوراته هذه توزع بالآلاف في عهد النظام البائد وتثير قلقه كما صرحوا بذلك، وصدر في هذا المجال حلقات من كتاب (ظواهر اجتماعية منحرفة) وأربعة عشر كتاباً من سلسلة (نحو مجتمع نظيف) و(احذر في بيتك شيطان) و(فقه العائلة) و(الزواج والمشكلة الجنسية) وغيرها.
وبعد أن أعلن الغرب بدء (صِدام الحضارات) مع الشرق المسلم بعد أحداث (11ايلول /2001) قاد سماحته مشروعاً لبيان أسس ومرتكزات الحضارتين وتفوّق حضارة الإسلام، وألقى عدة محاضرات جُمعت في كتاب (نحن والغرب) الذي ترجم إلى بعض اللغات الأجنبية.
ومن الفعاليات المهمة التي قام بها في فترة النظام البائد تنظيم الدورات الصيفية لمدة شهرين خلال العطلة لطلبة الجامعات يتلقون فيها دروساً في الفقه والأخلاق والعقائد والقرآن والوعي الإسلامي والتحق بها عدد كبير من الشباب، وتجد الكلام مفصلاً في كتاب (جهاد واجتهاد).

 

مرجعيته
تريّثَ سماحة الشيخ اليعقوبي في إعلان اجتهاده مراعاةً لأدبيات الحوزة العلمية، وكان يرى إن وقت إعلان الاجتهاد لم يحن وفق السياقات المعمول بها في الحوزة العلمية وان كانت الملكة موجودة، فالساحة العراقية بحاجة الى قيادة إسلامية أكثر من حاجتها الى مرجعية تقليد لوجود من تبرأ الذمة بالرجوع اليه، فأهتم سماحة الشيخ بالتصدي لقيادة الحركة الإسلامية في العراق في تلك الفترة.
وحين أعلنَ اجتهاده في خطبتي صلاة الجمعة في الكاظمية المقدسة في صفر عام ‏1424هـ ‏الموافق نيسان 2003 وشهد ‏له بالاجتهاد عدد من مراجع الدين والعلماء والفضلاء بعد الاطلاع على بحوثه الاستدلالية سنة 1424هـ/ 2004م منهم سماحة آية الله الشيخ محمد علي الكرامي (دام ظله الشريف)، وسماحة آيـة الله الشيخ محمد الصادقي الطهراني (قدس سره) (المجاز بالاجتهـاد منِ قبَـل السيد الخوئي (قدس سره) عام 1386هـ) وآخرون، رحم الله الماضين وحفظ الباقين، ازداد إلحاح المثقفين والواعين خصوصا من أتباع السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) عليه للتصدي للمرجعية إلاّ أنه أمرهم بالصبر والتريّث وإعطاء الفرصة للمتصدين لينهضوا بمسؤولياتهم ، ‏مع استمراره بقيادة الحركة الإسلامية الواعية بعد استشهاد السيد الصدر الثاني عام 1999، إذ ‏لم يكن سماحة الشيخ اليعقوبي يرى في يومٍ ما المرجعية والزعامة على أنها هدف وغاية، وإنما هي وسيلة لإقامة الدين ونشر تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) وحفظ كرامة الإنسان والدفاع عن حقوقه والارتقاء بالفرد والمجتمع في سُلَّم الكمال، لذا كان همّهُ السعي لدعم الحوزات العلمية ونشرها ومساعدة المشتغلين بالعلم والعمل وملئ الساحات الفارغة من العمل الديني وإصلاح الفساد والانحراف من خلال إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة لفعل الخير والتوعية ‏لرفعهَ الإسلام وعزة أبنائه قبل تصديه للمرجعية.
‏وبعد أن بدأ بإلقاء البحث الخارج في 1427هـ/2006م، ‏وما أبرزه من مقدرة علمية راقية انتشرت من خلال موسوعة (فقه الخلاف) تعززت قناعة كثير من أساتذة وفضلاء الحوزة العلمية والمؤمنين الواعين والنخب المثقفة بضرورة التصدي للمرجعية، ‏واقترن ذلك بتشخيص سماحته وجود مساحات فارغة كثيرة من العمل الديني لرفعة الإسلام وعزة أبنائه ونشر الدعوة إلى الله تبارك وتعالى لا يمكن القيام به إلا تحت عنوان المرجعية.
قدّم سماحته رسالته العملية (سبل السلام) للطبع عام 1430هـ/ ‏2009م، ‏مؤذناً للمؤمنين بالرجوع إليه تقليداً بعد أن كانوا يرجعون إليه قيادة وتوجيهاً، ‏وكان همَّه الرئيسي هو ملئ هذا الفراغ ودعم الحوزات العلمية ونشرها في بلاد المسلمين ومساعدة المشتغلين بالعلم والعمل.

‏وساهمت أبحاثه العلمية العميقة وأخلاقه الرفيعة وخطاباته الواعية المستوعبة للقضايا المعاصرة وهموم المسلمين وتطلعاتهم في إقناع المزيد من المؤمنين في الرجوع إليه، حتى أصبح من الوضوح ان مرجعيته المباركة اليوم تأتي في ‏المقام الثاني بعد مرجعية السيد السيستاني (دام ظله الشريف) وقد ثبت ذلك بحسب الاحصائيات ‏التي أجراها فريق من الخبراء الغربيين المتخصصين على عيّنات من ملايين الزوار في الأربعينية و ساعدتهم فرق متدربة، ‏ونُشرت الدراسة في كتاب عنوانه (الوجهة كربلاء) ‏طبعته ونشرته الأمانة العامة للعتبة العباسية المطهّرة، وأظهرت النتائج أن أتباع المرجع اليعقوبي يزيدون على مجموع أتباع المرجعيات الأخرى عدا السيد السيستاني طبعا في العراق.
‏وتوالت الطلبات لفتح مكاتب وممثليات لسماحته في مختلف دول العالم لكنه لم يستجب إلا لتحقيق الأغراض أعلاه، حيث توجد اليوم في قم ومشهد ولبنان وسوريا والهند وباكستان وأفغانستان وإندونيسيا وتايلاند وبورما وأكثر من ‏20 دولة أفريقية.
‏وكان المرجع الراحل المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (قدس الله سره) يرى في سماحة الشيخ مرجعية قوية واعده – بحسب ما رواه اثنان من العلماء المقربين إليه – ووجهّ رئيس تحرير مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام) التي يشرف سماحته عليها بنشر الأبحاث الفقهية الاستدلالية لسماحة المرجع في قسم البحوث الإجتهادية التي تنشر أبحاث المراجع الكبار ووصفها بأنها رصينة ودقيقة.
‏وقد وصل صدى مرجعيته المباركة إلى الأمم المتحدة حيث أُشير إليها في الإصدارين الذين نشرتهما ‏منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عن مدينة النجف، فقد ورد في الإصدار الأول المُعنَون (النجف بوابة الحكمة) ما نصّه (‏ولقد التحق بهؤلاء المراجع الأربع الكبار مرجع جديد يفوقهم حداثة والتزاماً بالأمور السياسية وهو الشيخ محمد اليعقوبي أحد تلامذة السيد محمد محمد صادق الصدر صاحب الجاذبية المؤثرة الذي اغتيل لعام 1999، وهو يدير مدرسة دينية وقد أرتقى إلى مكانة المراجع اذ أنه جذب إليه مقلدين كثيرين من داخل العراق) .